الرئيسية » » قصيدة أم شاعر !؟

قصيدة أم شاعر !؟


قراءةٌ في تجربة الشعر الليبي الحديث

[ قراري : ألا أتخلى عن ذاتي أبداً ، أن أمضي إلى أقصى حدود ذاتي ، ماذا يفيدني ساعة موتي ، أن أكون قد زيفتُ نفسي !! ] . . . هنري دو مونترلان
* * *
ما يعنينا في هذا الكلام هو خصوصيته .. هو هذا التلبس بالذات إلى أبعد الحدود، خصوصيته في هذا التمسك بالذات إلى اللحظة الأخيرة.
من هذا المدخل الصغير نحاول أن نقدم قراءة ولو صغيرة نوعاً ما ..إلا إنها تحاول أن تخلق بكلامها عن العموم نوعاً من الشمول!!
* * *
القصيدة الحديثة في ليبيا تتكيف حالياً مع الذات بشكلٍ جيد ، الذات هنا قاسم مشترك لمجموعةٍ كبيرة من التجارب التي تنطوي تحت سقف الشعر الليبي
إذاً القصيدة في ليبيا قصيدة ذات .. ذات مرهقة .. ذات منتهكة ، لكنها على الرغم من كلِّ ذلك فهي ذات ساطعة الحضور عند الجميع ، تحاول أن تجعل الذات مركزاً للعالم، القصيدة هنا تعلن انحيازها دائماً إلى خصوصيتها.
ربما لأن كثيرين من شعراء هذه التجربة دخل باب الشعر مسكوناً بهم التجريب ، فإن كيان القصيدة كان الكيان الأصعب على الدوام.
بينما ظل شعراء القصيدة العمودية والتفعيلة يراوحون بين عدة مستويات من التأثرات المختلفة.. وظل صدى الآخر يتردد على في قصائدهم على طول الخط.
ظل شعراء قصيدة النثر ( هذا النص المشاكس ) يراوح بين مجموعة المؤثرات العربية والأجنبية ، كان النص النثري يستنسخ نفسه .. مخلفاً إرثاً شاسعاً من نتاج متشابه في الكثير من الوجوه النمطية التي توفرت في هذه القصيدة في إحدى مراحلها ، فقصيدة النثر في ليبيا كتبت بروحٍ واحدة وبأصوات متعددة ،
لذلك أختار هؤلاء الشعراء أن يقدموا قلوبهم الخفاقة التي تعبر عن ذواتهم دون أن يعنوا بالإطار كثيراً !!
* * *
[ إن المتتبع لسياق التجربة الشعرية الشابة في ليبيا سيلاحظ أحياناً فتنتها الشديدة إزاء مغامرة التجريب ، وأحياناً تبدو كأنها تكتفي بنفسها وفقاً لمتطلبات لحظتها وشروطها المحلية بحساسية خاصة ]

يُلاحظ في تجربة الشعر الليبي إنها في حالة مخاض مستمر ،الأمر الذي يتطابق مع كلام الشاعر ( مفتاح العماري ) هنا.
إذ كان النص الشعري الليبي في بدايته يجنحُ كثيراً - منبهراً بتجارب غيره- نحو انفعاله الزائد .. كانت فترة الثمانينيات تكبلُ النص أكثر مما تطلق له العنان- خصوصاً في تجربة القصيدة النثرية - لذلك بدأ يركن في بداية التسعينيات إلى هدوءه وبساطته .. واقترابه أكثر من اليومي والمعاش .. نستطيع أن نقول أنه أصبح يركن إلى الذات أكثر من اهتمامه بالأشياء الأخرى .. هذا الانهماك سخر للشاعر أن يقولب علاقة هذه الذات بغيرها من الأشياء.
نلاحظ هنا تجربة الشاعر [ على صدقي عبدالقادر ] تجربة استطاعت أن تكرس نفسها عبر امتداد زمني هائل .. وتركن في بداية التسعينات على نمطي شعري متميز يصوغ الذات بطفولةٍ مطلقة وبأسلوب يتقرب من اللعب اللذيذ.
ونلاحظ كذلك أن نتاج شاعر مثل [ مفتاح العماري ] كان كبيراً جداً قبل أن يركن في أواخر الثمانينيات إلى خطوته الواثقة الأولى [ قيامة الرمل ] ليتوج ببساطة تجاربه الذاتية في مجموعة من الدواوين.
مروراً بتجارب شعراء فاعلين في التجربة كانت فترة نضجهم مرحلة التسعينيات ، وإن صح لنا القول هنا فإن تجربة الشعر الليبي كانت تحاول إنتاج خصوصية من خلال إنتاج علامات فارقة في مسارها.
ونظراً [ لخصوصية قصيدة النثر ] كشكل شعري مغاير عند أغلب هؤلاء الشعراء ، فإن هذه القصيدة ظلت المعيار الدائم لقياس الحركة الشعرية في ليبيا رغم وجود قامات في شعر [ التفعيلة والعمودي ]
فإن قصيدة النثر هنا ظلت تحاول أن تصنع إرثاً خاصاً لها في ظل غياب مرجعية تراثية أولاً .. وفي ظل حضور تجارب شعراء معاصرين [ عرب ] حاولوا أن يجعلوا قصيدة النثر كياناً مغايراً ثانياً.
نلاحظ هنا أن قصيدة النثر التي بدأت متعثرة في بداية الثمانينيات صنعت في منتصف التسعينيات تماماً رصيداً مناسباً من التجربة ، ونتاج نستطيع أن نقول عنه أنه ينتمي إلى خصوصية ليبية.
شعر التسعينيات الليبي يركن إلى قلقٍ لطيف ، يحاول يطرح التخبط الذي صاحبه خلال عقد الثمانينات.
بينما يظل شعراء القصيدة الحديثة العمودية يبحثون عن شاعرٍ بحجم كبير جداً ، يعطي التجربة غنى ضروري هي في أمس الحاجة إليه ، على الرغم من توفر الثقافة العالية والتمكن اللغوي والفكري العالي المستوى عند أغلب شعراء القصيدة العمودية الشباب.

نحاول في ختام هذه المقدمة الصغيرة أن نلخص بعض سمات القصيدة الحديثة الليبية :
أولاً : انفتاح الشعر الليبي على التجارب الشعرية العربية الرائدة ، أعطاها الاتساع ولم يعطيها العمق ، فهي أخذت من الشعر العربي العديد من المزايا ، وحاولت القفز على العيوب، فتجربة الشعر الليبي ظلت دائماً ضفاف للتجربة العربية ، ولم تشارك في رسم الخطوط الرئيسية لها.
ثانياً : القصيدة الحديثة في ليبيا لا تركن إلى أساطير ذات خصوصية ليبية، ولا تستند على مخزون أسطوري كبير ، لذلك نلاحظ تناثر الإشارات الأسطورية المستوردة من أساطير عربية [ ... لقد تأثر شعراءنا بشعراء الشرق حد التناص سواءً على مستوى النصوص ، وفي نهاية الستينات يكتب أحد النقاد أن الشعر في ليبيا بعد انفلت خارج حدود الوزن والصورة الشعرية العربية تحول إلى شعر ( نواقيس وصلبان ) .... ]
ثالثاً : الشعر في ليبيا .. ينتج قصيدة وليس شاعراً ، أي بمفهوم الشاعر الظاهرة ، الذي يتبنى مشروعاً شعرياً متكاملاً ، فالغالب في شعراء ليبيا هو ممارسة الشعر ببعض النـزق ، فالغالب يظل في خانة الموهوب في تعامله مع نصه دون أن يدخل مرحلة الاحتراف.
رابعاً : القصيدة الحديثة [ قصيدة الشباب ] تتنوع بتنوع الأصناف الأدبية ، فالشعر العمودي موجود بجوار شعر التفعيلة وقصيدة النثر ، من هنا فالشعر يتجاور بكل أصنافه .. وتتداخل مع بعضها.
خامساً : في الشعر الليبي تنعدم التيارات والأجيال الشعرية التي تستمد شرعيتها من واقع ثقافي متقارب ،فتجربة الشعر الليبي تجربة تنتج نصوص أكثر من كونها تنتج شاعراً ، كذلك تظل تجربة الشعر الليبي تجربة انقطاع وليس اتصال ، فالأجيال الحالية التي تمارس كتابة الشعر ،لم تستفيد من تجربة الجيل السابق ، بل تظل المؤثرات العربية هي الغالبة عند جميع الأجيال، فمن تأثيرات ( السياب و نازك الملائكة ، والبياتي ) على شعراء الستينات ، نجد تأثر شعراء قصيدة النثر الليبيين بدرجات متفاوتة خصوصاً في بداية تعاطيهم للكتابة الشعر برواد قصيدة النثر في المشرق العربي.
سادساً : القصيدة العمودية الحديثة في ليبيا تقتربُ من الذات كثيراً الأمر الذي يجعل من أغراض الشعر العمودي السابقة تختفي وراء سطوع الذات الواضح ، وبالتالي تختفي بعض أغراض الشعر العمودي التقليدي ( هجاء ، مديح ، رثاء ،.. ) ، نتيجة قرب التجربة الذاتية الكلي من المبدع.
سابعاً : تسعينات القرن العشرين ، كانت مرحلة تطور نوعي في النص الليبي ، فبالدرجة الأولى دخلت أصوات شابة جديدة مجال الكتابة الشعرية مسكونة بنشاط محموم ، كذلك لوحظ نشاط ملحوظ لأصوات شعرية من عقود السبعينات والثمانينات توجت مشوارها الشعري خلال هذا العقد.
ثامناًً : النص الشعري الليبي الحالي نص ذاتي متناهي الشفافية لا يركن إلى الغموض ، بل يقترب من المتلقي بصورةٍ مدهشة مُصراً على التفاعل مع اليومي ، وقصيدة المشاهدات التي تحاكي الواقع.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد الرجوع إلى :
1. من كتاب [ فعل القراءة والتأويل ] ، مفتاح العماري
2.من مقالة [ اليد الواحدة ] قراءة في بعض الأصوات الشعرية الليبية – عبدالباسط أبوبكر محمد ، صحيفة العرب.
4. من مقالة [ قصيدة النثر في ليبيا ] .. رامز النويصري .. صحيفة المشهد.
5.من مقالة [ خارج السرب ) قراءة في القصائد العمودية الحديثة في الشعر الليبي الحديث – عبدالباسط أبوبكر محمد ، مجلة غزالة الليبية.

17 التعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف

الوقت كالسيف

Blogger widget

التقويم

Blogger widget

إشترك ليصلك الجديد

ضع إيميلك ليصلك كل جديد

تابعنى على هذه الصفحات

 FacebookYoutube 

صفحتى على الفيس بوك

 
تعريب وتطوير : صالح سعد يونس | تباريح العشق والوجع -\- مركز تعريب وتطوير المدونات copyright © 2013. تفاصيل - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Published by Mas Template
Proudly powered by Blogger