جيلاني طريبشان شاعرُ التفاصيل الصغيرة



بقلم / عبدالباسط أبوبكر محمد

نشر بالشمس الثقافي




هل كنت حقاً أنا 
ذلك المارد المتدفق بالأمنيات 
أيها الشعر الآن :
كيف تخبو الأماني الصغيرات
هل ذبلت زهرة القلب 
أيها الشعر : 
آه .. لو جئتني قبل هذا السكون 
حين كان القميص مشجر ..
بهذا الحس المتفجر بالعذوبة يمكن رصد خطى تجربة بدأت بقلق جميل تشق طريقها بهدوء هامس.
يُعدُ ( جيلاني طريبشان ) أحد الشعراء الليبيين  الذين برزوا بداية السبعينات ، مسكوناً بحساسية خاصة تحاول بعث روح جديدة في القصيدة الليبية ، ربما كان إعلاء قيمة الذات شعرياً نقطة مهمة يتوقفُ المرء عندها كثيراً في قصيدة ( جيلاني طريبشان ) 

أولاً : الشاعر : (1)
- شاعر وكاتب ليبي. 
- ولد ببلدة الرجبان في 1944، وهي أحد بلدات الجبل الغربي بليبيا، وتبعد الرجبان عن طرابلس حوالي 160 كلم.
-  يحمل إجازة التدريس الخاص (فنون جميلة) 1965.
- نشر محاولاته الشعرية الأولى عام 1963 بصحيفة الأيام.
-عمل محرراً بصحيفة الأسبوع الثقافي بين 1972، 1979 ثم خلال 
الأعوام 1978-1988.
- تنقل بين لندن، بغداد، دبلن، برلين، الدار البيضاء، ثم عمل بالمركز الثقافي الرجبان.
- يكتب الشعر والمقالة وله اهتمامات بالفنون التشكيلية حيث كانت له بعض التخطيطات. 
- وكان قبل وفاته، يكتب زاوية أسبوعية ( الأربعاء من كل أسبوع ) ضمن الملف الثقافي للصحيفة بعنوان ( تحت المظلة ).   
- توفي  ببلدته الرجبان في 02/07/2001.

- إصداراته :
1- ديوان ( رؤيا ممر عام 1974 ) / منشورات الدار العربية للكتاب / عام 1974.
2- ابتهال إلى السيدة ( ن ) / منشورات الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان/ عام 1999.

ثانياً : مسار التجربة : 

وسنتوقف هنا عند الدواوين التي صدرت للشاعر محاولين الوقوف عند عدة نقاط مهمة في تجربته الشعرية :

أولاً : الشاعر بدأ الكتابة في فترة تعد على كافة المستويات فترة صعود التيار القومي العربي ، وكذلك فترة انكساره في النكسة ، لكن الشاعر هنا يصعد صوتها الخاص وسط هذه الهتاف الكبير ونهوض الشعارات الكبيرة.
ثانياً : الشاعر يقف على أعتاب تجربة التجديد العربية التي لا يبتعد كثيراً عنها ، بل يواكبها ويحاول أن يستفيد من المنجزات التي وصلت إليها تجربة الشعر العربي الحديث.

ويلخصُ الشاعر ( محمد الفقيه صالح ) رأيه في تجربة الشاعر ( جيلاني طريبشان ) بقوله ( في تلك السنوات المشحونة بفتوة الأحلام والتطلعات بدأ لنا جيلاني ... شاعر التحول الكبير في الشعر الليبي المعاصر من قصيدة القضية والصوت الأحادي والعالي النبرة في المدرسة التقليدية الحديثة وبدايات الشعر الحديث " أو الحر" في آن معاً إلى قصيدة الفرد بصوته الشخصي وذاته النافرة المتأزمة المنجرحة التواقة للتحقيق.)(2)

تجربة ( الجيلاني ) حسب قول ( محمد الفقيه صالح ) إنه شاعر التحول الكبير عندما يراهن شاعر في مرحلته على صوته الشاعر 
ظل ( طريبشان ) جزئية عصية على الفهم في تجربة الشعر الليبي ، فعلى الرغم أن الشاعر يكتب في فترة مليئة بهواجس الجموع وأحلام القومية العربية وانسحاق أحلام الفرد البسيط في مقابل نهوض المشاريع الكبيرة التي  تأتي في أغلبها على حساب الذات الشاعرة البسيطة.
إلا أن صوت الشاعر المفرد كان الأغلب في تجربته الشعرية ، محدداً مساراً مستقيماً لم ينحرف عنه قيد أنملة.
بينما يلخص الشاعر ( مفتاح العماري ) بقوله ( أسماء كثيرة برزت خلال عشرية السبعينات ، القلة فقط هي التي صمت نصوصها متحررةً من أوبئة التقليد الأعمى ، وهذه القلة لم تشكلُ تياراً شعرياً ، بل أتسم مسارها بتجارب شعرية منفردة ، تتميز باختيار الجملة الشعرية ذات الإيقاع الموسيقي ....... سلسة وحميمة وسرية لدى جيلاني طريبشان )(3)
ظل الجيلاني عبر مسيرته الشعرية ، الاتجاه المفرد العميق ، الذي يقول ذاته بحساسية مفرطة في العذوبة ، ويعبر على ذلك بهدوءٍ غاية في السحر :
جمعتنا دروب 
وحمتنا شعوب 
وبعضكم كلما دقت طبول الحرب فر 
غير أنا كلنا نصبح فرداً 
كلما جاء النفير..(4) 

نلاحظ كذلك على تجربة ( طريبشان ) إخلاصها الكامل والصادق للذات الشاعرة ، التي تقود في كل اتجاهاتها إلى عمق تجربته الشخصية ، مجبولةٌ في أغلب أحوالها بغربة وقلق الشاعر الجميل ، فهي وجه آخر للشاعر ، الذي يتلبس الشعر كرؤيا ، ويبحث دائماً عن قصيدة بكر : 

أتيتك 
هل أسميك بلادي أو معذبتي 
تخون الزهرة العشاق 
يذبلُ 
يهرب من شوارعها شذى النوار!! (5)

يُسيطر على تجربة ( طريبشان ) تجاوبها التام مع تفاصيل اليومية البسيطة ، وتحسب له هذه النقطة في وقت كان الشعر يسيطر عليه الهتاف ، كان شعر 
( طريبشان ) أقرب إلى الهمس منه إلى الانفعال ، كان يغوص في التفاصيل الصغيرة التي تشكلُ كيان شاعر الحديث في أغلب التجارب العربية المعاصرة ، تجربته الشعرية  أيضاً تبحث عن مفرداتها البسيطة ، مبتعدة عن غموض والربكة التي سيطرت على القصيدة الحديثة ( خصوصاً قصيدة النثر في البداية ) ، ينسجمُ كل ذلك في قالب الفكرة البسيط والهادي :

لكني أحبك 
يا زين نساء العالم 
يا وجه الوطن المنبوذ ، الوطن الهارب 
إني أحبك حتى الموت ، وأولد من ثغرك رائع .(6)

تبرزُ في تجربة ( طريبشان )  شفافية خاصة ، يشكلُ فيها القلق الشاعر الذي ظل يسيطر على تجربته بشكلٍ عام لبنة أساسية ، وأيضاً رومانسية ذات حساسية متفردة ، ظلت ترسمُ مسار تجربته بشكلٍ عام.
يمكن التوقف عند قصيدة ( أربع حالات للشاعر ) والتي أهدها الشاعر إلى الروائي ( إبراهيم الكوني ) في صياغة حالة عامة لحالته الشعرية ، أنه في هذه القصيدة يصوغ بياناً شعرياً خالصاً :
عندما جئت هذى البلاد 
لم أجئها نبياً 
لا غازياً ، ولا وصياً 
لم أكن مطراً 
لم أنشر الخصب في الحقول النديّة
لم أكن واحة يستظل بها المتعبون
.....
جئت طفلاً – لم يعلمني أبي حكمة الشيخ – 
ولا راودتني البطولة في المهد 
كي أرتدي ذات صيف بليد 
خرق الصوف ، وأدعي الصوفية.(7) 
وظلت قصيدته ( قصيدة ذات خالصة ) حتى عندما تتكلم عن الآخرين ، وأكبر الأمثلة على ذلك قصيدة ( اعترافات شاهد نفي قبل فقدان الذاكرة ) المهدأة إلى غسان كنفاني في ديوان ( رؤيا في ممر عام 1974 )
وكذلك قصيدة ( من قصيدة لم تكتمل إلى سعدي يوسف ) : في ديوان ( ابتهال إلى السيدة ن ) ، إنها هنا يغرس ذاته في التفاصيل الخاصة بالشاعر ( سعدي يوسف ) :
صار بيني وبينك تذكرة للمرور
وجواز السفر
غير أني تذكرتُ في ردهات المطار
أن قلبي حجر
أن روحي ملطخة بالأسى
فمتى يا رفيق الضياع 
تنبت الأجنحة؟! (8)

( القصيدة رؤيا ) على حد قول ( على الخليلي ) عن تجربة ( جيلاني ) الشعرية ،رؤيا مسكونة بكلِّ هواجس البحث ، فالشاعر هنا لم يبحث عن التطور الشكلي في القصيدة - على الرغم من معاصرة الشاعر لحركة الحداثة الشعرية العربية -  بل كان بحث الشاعر عن الرؤيا التي توجه القصيدة هي كل همه.
هذه الرؤيا كانت تنسجم انسجاماً تاماً مع تجربة الشاعر الشخصية ، هذه التجربة التي تنمو فيها جزئية الذات لتشغل أغلب قصائد التجربة. 

ختاماً : 
عموماً يظل ( الجيلاني طريبشان ) صوت من الأصوات البارزة في تجربة الشعر الليبي ، نتوقف فيها كثيراً عند الصدق والقلق ، بل الأهم من ذلك هو الشفافية التي تفيض بها معظم قصائده ، كذلك نتوقف عند بساطة الألفاظ والأفكار.
وتظل هذه التجربة جزئية مهمة شكلت وأثرت ـ هي مع تجارب أخرى معاصرة لها ـ  في أغلب التجارب الشعرية اللاحقة في مسيرة الشعر الليبي.   

ــــــــــــــــــ
هوامش : 
ــــــــــ
1. موقع الشاعر ( جيلاني طريبشان ) 
2. كتاب ( أفق آخر ) / الشاعر محمد الفقيه صالح / منشورات مجلة المؤتمر.
3.كتاب ( فعل القراءة والتأويل ) الشاعر مفتاح العماري / الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان.
4.قصيدة ( رؤيا في ممر 1974 ) / ديوان رؤيا في ممر 1974 / منشورات الدار العربية للكتاب.
5.قصيدة ( انفعالات فوق العادية ) / ديوان رؤيا في ممر 1974 / منشورات الدار العربية للكتاب.
6.قصيدة (ثلاث صور أولى وأخيرة للحب ) ديوان ابتهال إلى السيدة (ن) / الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان/ 1999.
7.قصيدة ( أربع حالات للشاعر )   ديوان ابتهال إلى السيدة (ن) / الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان/ 1999.
8. قصيدة ( من قصيدة لم تكتمل إلى سعدي يوسف ) ديوان ابتهال إلى السيدة (ن) / الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان/ 1999.

16 التعليقات:

الوقت كالسيف

Blogger widget

التقويم

Blogger widget

إشترك ليصلك الجديد

ضع إيميلك ليصلك كل جديد

تابعنى على هذه الصفحات

 FacebookYoutube 

صفحتى على الفيس بوك

 
تعريب وتطوير : صالح سعد يونس | تباريح العشق والوجع -\- مركز تعريب وتطوير المدونات copyright © 2013. تفاصيل - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Published by Mas Template
Proudly powered by Blogger